اكتئاب وعصبية.. هكذا تتأثر الصحة العقلية لرواد الفضاء بعد مغادرة الأرض

السفر إلى الفضاء، ليس رحلة سهلة مليئة بالمناظر الخلابة كما يعتقد البعض، بل تجربة تتسبب أحيانًا في تعرض الإنسان للخطر، وظهر هذا للمرة الأولى عام 1982، بعدما عانى رائد الفضاء الروسي فالنتين ليبيديف، من عدم القدرة على التحكم بأعصابه، وأصبح يتعامل بحدة مع زملائه ويشعر بالاكتئاب حتى وصل الأمر لعدم رغبته في النظر إلى الفضاء، وذلك بعد قضاء 5 أشهر في مهمة بمحطة "ساليوت7".

وقال تايلر مور، الطبيب النفسي الذي عمل سابقًا مع وكالة "ناسا"، إن الفضاء يؤثر على الإنسان من الناحية العقلية وهذا قد يؤدي إلى فشل المهمات، ويعرض حياة المتواجدين على المركبة الفضائية للخطر الذي قد يصل للموت.

وأضاف أن التأثير الذي يتعرض له رائد الفضاء، قد يكون ناتجًا عن دورة النوم السيئة، حيث إنه بمجرد الصعود للفضاء يختلف الوقت ولا يصبح اليوم 24 ساعة منضبطة مثل الأرض، ولهذا على الرواد وضع جدول لمواعيد النوم والاستيقاظ يوميًا للحفاظ على حالتهم الصحية والعقلية، وبالنظر إلى مذكرات رائد الفضاء " ليبيديف"، اتضح أنه لم يكن ينام جيدًا منذ بداية الرحلة، بحسب موقع " معهد ماساتشوستس للتقنية" الأمريكي التابع لجامعة كامبريدج.

وأوضح أندرو ليو، عالم الأبحاث في معهد ماساتشوستس الأمريكي للتكنولوجيا، أن الوقت لا يؤثر فقط على دورة النوم لرواد الفضاء، بل الإضاءة أيضًا، حيث إن الضوء الأرزق الاصطناعي الموجود بالمحطة، يجعل الجسم مستيقظًا لفترة أطول بسبب تأثيره على نسبة إفراز هرمون "الميلاتونين" المسؤول عن النوم.

وأكد أن رائد الفضاء حينما يفقد القدرة على النوم الجيد يوميًا، فإنه يجد صعوبة في العمل، وخاصةً عند القيام بأشياء تحتاج إلى تركيز شديد واتخاذ قرار.

وأشار إلى أن التعرض للإشعاعات الضارة الموجودة بالفضاء، قد يكون السبب الثاني في تعرض رواد الفضاء لمشاكل في الصحة العقلية، وأحيانًا يصل الأمر إلى تلف الجهاز العصبي وزيادة فرصة الإصابة بالسرطان، وكلما كانت المهمة طويلة الأمد، زادت نسبة التعرض للأمراض.

وقال إن هناك عاملا ثالثا يؤثر على الصحة العقلية والعاطفية لرواد الفضاء، وهي العيش في مكان مغلق ومنعزل لمدة طويلة، وهذا يؤدي أحيانًا إلى تخيل أشياء غير واقعية، وظهر ذلك واضحًا عام 1976، عندما أبلغ بعض رواد الفضاء عن شعورهم بوجود رائحة كريهة في المركبة ولكنهم لم يعثروا على سببها واختفت بعد فترة، إضافة إلى رؤيتهم لبعض المقابض مفتوحة وعندما يذهبون لغلقها يلاحظون أنها مغلقة بالفعل.

وأوضح الدكتور جاري بيفن، الطبيب النفسي في وكالة ناسا، أن الذهاب إلى الفضاء مهمة تتسبب في وقوع ضغط نفسي قوي على رواد الفضاء وأغلبهم لا يطلبون المساعدة لاعتقادهم أنهم قادرون على التعامل مع المشكلات بأنفسهم وأن طلب المساعدة النفسية يشير إلى ضعفهم، وهذا التصرف خاطئ ويؤدي في النهاية إلى المعاناة من توتر واكتئاب وعصبية.

وأكد أن وكالة ناسا، حاليًا تبذل مجهودًا لحماية الصحة العقلية لرواد الفضاء، وظهر ذلك في تصميم محاكاة واقعية لبعثات الفضاء على الأرض وتدريب الرواد على تقبل الحياة هناك من الناحية النفسية.