الجمعة 26 سبتمبر 2025 04:10 صـ 3 ربيع آخر 1447هـ
الوادي

رئيس مجلس الإدارة طارق نديم

رئيس التحرير محمود نفادي

  • جريدة الوادي
رأي

الذكرى الرابعة والثمانون للحرب العالمية الثانية (2): بقلم منى النشار خبيرة الشئون الخارجية

الوادي

(2) الماضى الذى سوف نعيشه غدا

انتصارات بطعم الهزيمة هكذا كان حال بريطانيا وفرنسا فى نهاية الحرب العالمية الثانية ,فقد انهزما مثل ألمانيا التى انتصرا عليها ,أما أوروبا بجميع جبهاتها فلم تذق طعم الانتصار فى الوقت الذى كانت تحتفل بعض شوارعها بالنصر ,خرجت أوروبا من التاريخ ومن قيادة المسرح الدولى ,غابت عنها الشمس وأشرقت على أسياد الأرض الجدد فى الزمن الجديد الذى ولد ,أما الإنسان فكان المنهزم الأكبر ,لم تكن لحياته , لمشاعره , لأحلامه قيمة بين حسابات الذئاب ,كان رقما من الملايين فى قائمة الضحايا ,أو ربما كان تلك الأشلاء الملقاه على قارعة الطريق يتجمع عليها الذباب ,أو تلك الجثة المتحللة تحت الأنقاض ,أو ربما ذاك الأسير الذليل الذى يقف فى أحد الطوابير وقد إمتدت أميالا ,أو ربما يكون تلك المرأة اليابانية التى تنهش الحرائق جسدها البالى وقد تعرضت لإشعاع نووى ,أو ربما ذلك الطفل الميت الذى لازال يتنفس وقد فقد أبويه وبيته وبات يجلس على كومة من التراب كانت له يوما حضنه الأمين الذى يهرع إليه لينام ,لا يعرف ماذا يأكل حينما تتلوى بطنه جوعا ,أوأين ينام حينما يباغته ليله الأسود الطويل ,يفتش بين الأطلال على الغد عله ذلك القابع تحت الأنقاض أو ذاك الرجل المبتورة قدماه ,لا تسأل هذا الطفل إن كان إنجليزيا أو فرنسيا أو ألمانيا ,فكل أطفال الجبهات المتحاربة فى أوروبا قد باتت أيتاما ,من انتصر أبواه أو من انهزم.

حينما كنت تمشى فى شوارع أوروبا لم تكن لتعرف أين دول الحلفاء وأين المحور ,فجميع البيوت أصبحت أنقاضا أطبقت على المرتجفين الجوعى بين جدرانها.

أما الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة فكانا المنتصرين الحقيقيين ,أشرقت على وجيهما الشمس وابتسم لهما الزمن.

هكذا النتائج الأبرز للحرب العالمية الثانية ,نظام دولى جديد بقواعد حاكمة جديدة وأسياد جدد.

والخراب الذى يصبغ كل شئ ,فدوى المدافع وإن سكت إلا أن طلقاته ستظل تخترق جدران الحياة الإنسانية لعقود تلت.

الآن تمر علينا الذكرى الرابعة والثمانون للحرب العالمية الثانية التى بدات فى سبتمبر 39 19وانتهت فى سبتمبر

1945

ولقد تحدثنا فى الجزء الأول من المقالة بنفس العنوان عن السياق التاريخى للحرب وعن سبب الصراع والمحطات الرئيسية ,وسنتناول فى هذا الجزء النتائج والتطورات والاسقاطات المعاصرة.

ثمة نتيجة باسمة بين كل هذة الصورالتعسة ,فقد انبثق القانون الدولى الإنسانى بجرائمه التى لم تكن معرفة قبل ذلك ,التطهير العرقى ,الإبادة الجماعية ,جرائم الحرب ,جرائم ضد الإنسانية.

وذلك من خلال المحاكم الخاصة التى شكلها الحلفاء المعروفة بمحاكم نورنبرج والتى اختصت بمحاكمة قادة النازية عن الجرائم التى ارتكبوها ,وذلك بعدما اكتشف الحلفاء الفظائع التى ارتكبت فى معسكرات الأوشوفيتز وغيرها فى بولندة.

وبغض النظرعن نزاهة تلك المحاكم ومصداقية الحلفاء فى الاتهامات الموجهة إلى النازيين ,إلا أنه بالأخير أصبح لدى الإنسانية قوانين تحمى أو تحد من انتهاك كيان الإنسان على غرار هذا الوضع الوحشى الذى حدث.

فإن كان للحرب بد فعلى الأقل يجب ضمان أن تكون أخلاقية.

أما النتيجة الأهم تلك المرتبطة بحياة الإنسان والتى صاحبته على مدار خمسة وخمسين عاما حتى انهيار الإتحاد السوفيتى ليبدأ مرة أخرى عصر جديد بالكلية على حياة الإنسان.

هى الحرب الباردة ,وكما تم شرحه سالفا أنها بدأت من رحم الحرب العالمية الثانية وقبل أن تسدل ستائرها ,حينما وجدت موسكو وواشنطون نفسيهما فى مواجهة بعضهما البعض وقد توازنت القوة بينهما بعد أن امتلك الطرفان السلاح النووى.

توازن الرعب النووى هذا جعل الطرفين متضطرين لتقاسم النفوذ ,كان أمرا مضيئا لكليهما ,لكنه كان سوادا على الإنسان الذي وجد نفسه وقد بات أسيرا لصراع أيدولوجى بين الأقوياء الذين لا يكترثون لأحلامه البسيطة فى العيش الآمن المستقر ,ولا يرون فيه إلا تكأة لمرادهم ,فهذا يتاجر بجوعه وحقوقه ويقتات على قيم العدالة والمساواة ,وهذا يتاجر بحريته ويقتات على قيم الديموقراطية والحداثة.

وفى خضم الشعارات البراقة ,لم تجد الدول إلا ضيق الخيارات ,وأنياب الإنحيازات.

مرت بضع سنين من غياب الرؤيا والتخبط بين قطبى العالم , حيث حاول كل طرف فرض سيطرته على الآخر قبل أن يتفقا على صيغة للتعايش ,كان الصراع محموما ,غابت عنه المفاوضات والتسويات.

حتى وصل لذروته حينما فرض ستالين ما اسماه الغرب بالستار الحديدى على أوروبا الشرقية ,ثم تمادى حتى قام ببناء سور برلين 1961الذى مزق أبناء الدولة الواحدة.

وأصبحت الشيوعية الوحش الكاسر الجديد الذى يهدد الغرب.

حاول الغربيون استمالة الدول الأخرى من العالم ,من خلال الآليات الإقتصادية الغربية وهى مشروع مارشال والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى بهدف توفير التمويل اللازم بدلا من اللجوء إلى الشرق ,كذلك التحكم فى سياساتهم الإقتصادية وجعلها أكثر ليبرالية من خلال إغرائهم بالقروض المشروطة وذلك من أجل كبح جماح الشيوعية وفرض القيم الغربية.

بلغ القلق الغربى من الإتحاد السوفيتى منتهاه فقاموا بتأسيس حلف الناتو العسكرى عام 1949 بهدف ردع النوايا التوسعية السوفيتية فى أوروبا.

لم يقف الإتحاد السوفيتى صامتا وقام بتأسيس حلف وارسو عام 1955

لقد تحول حلفاء الأمس إلى أعداء اليوم ,يتأهب كل طرف للإنقضاض على أخيه مستعينا بالبلهاء الذين يحتشدون معه فحولوا أنفسهم إلى وقود مدافع.

إنزلق الجميع فى مستنقع السلاح النووى ,وتسابق قطبا الصراع العالمى على التفوق على الآخر بما يملكه من قدرة على الدمار الشامل.

وعند كل خلاف بينهما يرتجف الإنسان المكلوم الذى ساقته الأقدار التعسة ليعيش هذة السنوات خوفا من وحش كاسر آخر يضغط على زر إطلاق قنبلة نووية أخرى.

أجهض الأمن والسلم الدولى وضاقت الدنيا على الإنسان بما رحبت ,فأنت إما أن تكون شرقيا أو غربيا ,وفى الحالتين أنت عدو للآخر يمطرك بشظايا غضبه ,ويصاحبك لهيب الخيارات أينما خطت قدماك.

لكن هناك من أبى أن يمتطيه الأقوياء فلا يزيدوه إلا ضعفا ,

فكانت حركة عدم الانحياز التى تأستت بموجب مبادئ مؤتمر باندونج عام 1955 ,رفضا لهذه الأوضاع السياسية التى أفسدت على الدول حرية القرار وعلى العالم السلم والاستقرار.

وكان رؤساء مصر والهند ويوغسلافيا وغانا وأندونيسيا هم الآباء المؤسسون للحركة.

اشتم أسياد العالم الجدد فى تلك الحركة رائحة تمرد جديد على قواعد النظام الدولى التى سبق وأن تمردت عليها ألمانيا ,فالكبار مهما كانت أسماؤهم دائما يستهدفون إبقاء الأوضاع كما هى عليه ويعادون التغيير ,قد يتقاتلون بينما هم فى ذات قمرة القيادة ,ولكنهم يتوحدون حينما يزاحمهم طرف ثالث ممسكا معهم المقود أو معتديا على القواعد التى اتفقوا عليها.

بالأخير توصل قطبا الصراع العالمى إلى صيغة للتعايش المحموم بينهما ,مفادها تحديد دوائر النفوذ وعدم الاعتداء عليها واحترام الخطوط الحمراء ,إحتواء كل ما يجرى من أزمات لعدم إنفلات الأمور,عدم المواجهة المباشرة وإحالة الأمور إذا لزم الأمر للوكلاء.

على مستوى التفاهمات ,نجح الجميع مبكرا فى التوصل لصيغة معدلة من عصبة الأمم التى وأدها الصراع قبل ذلك ,فولدت الأمم المتحدة.

كان هدفها السامى هو تحقيق الأمن والسلم الدوليين والحيلولة دون انفلات الأمور حتى لا تنزلق البشرية فى مغبة همجية الحرب مرة أخرى ,كان هذا جانبا مضيئا شق نوره ظلام الحرب الباردة ,إلا أن هذا النور ولد خافتا متذذبا ,فقد احتكر المنتصرون فى الحرب العالمية الثانية لأنفسهم حق فرض القرار على العالم من خلال آلية حق النقض لقرارات مجلس الأمن.

فعمق هذا الانقسامات والتحزب فى العالم ,وأجهض القيم الوليدة عن المساواة بين الدول ,وعكس منطق الأقوياء الذين

لايتحدثون إلا بلغة السلاح الأكثر فتكا ,وكلما كنت قادرا على إحداث التدمير الأكثر بشاعة ,كلما كنت قادرا على حماية مصالحك وفرض كلمتك.

لم تحقق الأمم المتحدة الاستقرار فى العالم بقدر تحقيقها لهذا الاستقرار بين الأقوياء ,الذين جبنوا عن مواجهة بعضهم البعض وتركوا تلك المهمة لوكلائهم لتتلقى صدورهم الرصاصات بينما يجلس أربابهم فى قاعات مجلس الأمن الأنيقة.

فشلت الأمم المتحدة فى منع الصراعات والحروب ,فالأقوياء الذين يضعون القواعد ويصدرون القرارات ويحكمون بين الخصوم هم أنفسهم خصوم يحكمون على أصدقائهم الأوفياء الذين يقومون نيابة عنهم بالأفعال القذرة التى يترفعون عنها فى قاعات مجلس الأمن الطاهرة.

الضحايا الذين قضوا لدى الأمم المتحدة لتنقذهم من هذا الوحل الذى صنعه صراع الشرق مع الغرب ,وتركتهم وحدهم يموتون من أجل مصالح غيرهم.

وبعدما فشل قطبا الصراع العالمى فى تحقيق النصر المنشود ,أصابهما الملل من شبه الجزيرة الكورية ,تخليا عنها وهى خراب وأنقاض بينما فاحت رائحة لحم فيتنام ,فوجدا فيه طبقا لذيذا للعشاء.

بخلاف ما حدث فى تشيكسلوفاكيا وغير ذلك من أحداث كان أبطالها طواقين للحرية بينما تتعثر أقدامهم فى سلاسل الصراع العالمى.

هكذا كانت المرحلة الأولى من الحرب الباردة صاخبة وقاسية.

مثلت الستينيات الفترة الأكثر هدوءا وسلاما بين كل سنى الحرب الباردة الطويلة ,فقد حدث تحول نوعى كان محطة تاريخية فاصلة ,أزمة الصواريخ الكوبية أكتوبر1962 ,أدى الدعم الأمريكى فى شن انقلاب عسكرى مسلح ضد فيديل كاسترو الرئيس الكوبى - اشتراكى الهوا – إلى تقارب بينه وبين موسكو التى استغلت تدهورعلاقة هافانا بواشنطون ,وقامت بوضع صواريخ محملة برؤوس نووية موجهة نحو واشنطون ردا على المثل الذى قامت به الأخيرة فى تركيا ,اكتشفت المخابرات الأمريكية الموضوع واندلعت الأزمة.

حبس العالم أنفاسه وفتحت أبواب الجحيم ,ليس مجددا ,كان هذا لسان حال العالم وهو يتابع بقلوب مرتجفة ما الذى سيحدث.

انتهت الأزمة بهدوء وإزالة الصواريخ ,كانت اختبارا حقيقيا لجدوى السلاح النووى وقدرة قطبى الصراع العالمى على السيطرة على الموقف.

المنتصر كان صوت العقل ,وقد ساعد التوازن النووى بين الطرفين على احتواء الموقف.

نتج عن الأزمة شكل جديد من العلاقات بين موسكو وواشنطون ,اتسمت بأنها أكثر هدوءا وأقل عدائية وأكثر انفتاحا على التواصل المباشر.

فبعد سبعة عشر عاما من الصراع المحموم لم يحقق أى من الطرفين انتصارا ,جاء الوقت ليجلسا معا للحوار.

أثمر هذا الحوار عن زيارة لفتت أنظار العالم قام بها الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون إلى موسكو مايو 1972فى أول زيارة تاريخية لرئيس أمريكى ,والتقى ليونيد بريجينيف الزعيم السوفيتى ,وتمخض عن تلك الزيارة توقيع الجانبين على معاهدة سالت الأولى وتعنى الحد من الأسلحة الهجومية , وذلك فى اطار الاجراءات التمهيدية لحظرالأنشطة النووية العسكرية.

كانت تلك المرحلة الثانية من الحرب الباردة.

وبينما كانت واشنطون تمد أواصل الحوار مع موسكو, كانت تعد الخطط بعيدة الأمد لإسقاط الإتحاد السوفيتى.

حافظت القوتان الكبيرتان على العلاقة الهادئة بينهما حتى بدأت نتائج سياسات واشنطون بعيدة الأمد لاسقاط الإتحاد السوفيتى تؤتى ثمارها ففى السبعينيات نتيجة لمجموعة من العوامل أصاب الوهن الجسد السوفيتى ,وأبرز تلك العوامل هى إجبار موسكو على تغيير سياساتها بجعل السلاح قبل الخبز ,وأخذ السوفيت يجارون الأمريكيين فى الإنفاق العسكرى على الرغم من عدم قدرتهم الإقتصادية , حتى توجت الاستراتيجية الأمريكية بما يعرف Strategic Defense Initiative وتعرف اختصارا ب SDi ,وذلك كان فى إطار ما يعرف بحرب النجوم.

ومضمون تلك الإستراتيجية هو التفوق العسكرى الأمريكى على السوفيت فى مخالفة كبيرة لوضع الواقع الدولى وقت أزمة الكاريبى ,فالتوازن بين الطرفين أدى إلى الهدوء ,أما الإختلال فأدى إلى عودة الصراع.

عد الأمر كإختلال كبير فى موازين القوى بين القوتين الكبيرتين لصالح واشنطون ,وافتقدا للتوازن الذى ظل قائما بينهما طول الفترة التى اعقبت الحرب العالمية الثانية , واتسمت السبعينيات ولأول مرة بتراجع ملموس للإتحاد السوفيتى ,وتنامت الفجوة بينه وبين واشنطون مع عدم قدرته على تقليص تلك الفجوة ,بالشكل الذى جعل المتخصصين يتنبأون بإنهيار الإتحاد.

كانت تلك المرحلة الثالثة من الحرب الباردة ,مرحلة شهدت عودة حدية الصراع.

استمر الإتحاد السوفيتى فى مصارعة أسباب الضعف التى كانت تنهش فيه إلى أن جاءت لحظة النهاية.

جورباتشوف القائد السوفيتى قام بما اعتبره إصلاحا وإنقاذا للإتحاد ,فانتهج سياسات عرفت بالبروسترويكا

- إعادة الهيكلة - عملت على تغييرات مفاجأة فى الإقتصاد والسياسات الشيوعية والمضى نحو لا مركزية القرار والديموقراطية وتطوير التجربة الاشتراكية ,وقد انتهى به الأمر إلى منح المجال للكيانات السوفيتية لتقرير مصيرهم فتفكك الإتحاد وسقط صريعا وبات أشلاء على قارعة الطريق وقد تكشفت عوارتها يأكل من لحمها العارى الجميع.

أخيرا نالت واشنطون مرادها عقب خمسة وخمسين عاما من حرمت خلالها من السيطرة وحدها على العالم ,ذالك الحلم الذى بدده الإتحاد السوفيتى فيما مضى ,ها هو يدفع الثمن ,وها هى واشنطون تجلس وحدها لا شريك لها على عجلة قيادة العالم.

وها هى الحرب الباردة تنتهى أخيرا.

ظهر فى مطلع التسعينيات طرحا متغطرسا قدمه الفيلسوف الأمريكى فرانسيس فوكاياما بعنوان الرجل الأخير ونهاية التاريخ , مضمونه انتصار الليبرالية كخيار وحيد ,كرس تلك اللحظة الزمنية ,تلقفته واشنطون كطفل محروم جاءته اللحظة أخيرا ليرتدى ثياب العيد.

كانت أكثر لحظات تاريخ الإنسانية المعاصر اختلالا.

مارست واشنطون أحط الأساليب لفرض قرارها وعاثت فسادا ,وظلت تتباهى وتتغطرس وتسرف فى استعمال قوتها وكأنها الشباب الدائم فلن يصيبها تعب وانهاك ,ولن تأتيها شيخوخة.

فاحتلت العراق الحبيب دون غطاء من الأمم المتحدة ,ومن الذى يستطيع عرقلة قرار من يجلس منفردا على طاولة مجلس الأمن وقد فتنته قوته فأحب أن يراه العالم البلطجى الذى يأمر فيطاع.

قالت أمريكا للعالم ,أنا ربكم الأعلى.

لم يشبع موت الإتحاد السوفيتى جوع السيطرة التى يمزق أحشاء واشنطون ,فقد تسربت هى وأوروبا إلى العمق الروسى وقامت باستقطاب أعضاء جدد إلى حلف الناتو حتى هؤلاء من كانوا سابقا أعضاء فى حلف وارسو.

وكان البحر الأسود يمثل لها جائزة كبرى لتطويق روسيا.

فى عام 2008 قام رئيس الوزراء الجورجى ميخائيل سكاشفيلى الملقب برجل الناتو فى جورجيا بالهجوم على العناصر الروسية ضمن قوات حفظ السلام المتواجدة فى الأقاليم الجورجية الانفصالية أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

فقام الرئيس الروسى فلادمير بوتين باطلاق عملية عسكرية موسعة سماها عملية اخضاع جورجيا للسلام انتهت بفرض واقع عسكرى وسياسى روسى جديد واعترف بهما كدول ذات سيادة وقام بوضع قواعد عسكرية روسية بهما.

مثلت جورجيا محطة فاصلة فى النظام الدولى وكانت الصخرة التى تحطمت عليها الهيمنة الأمريكية ,والسجادة الحمراء التى خطت عليها روسيا أولى خطواتها المجيدة بعد سنوات من الانبطاح.

وبينما كان الانهاك يتسرب إلى جسد واشنطون المثقل بفواتير باهظة ,فى العراق وأفغانستان وغيرها من الملفات التى أسرف فيها القطب الأوحد فى الاستخدام غير الرشيد لقوته ,كانت روسيا تستعيد شبابها ,وتنفض عن جسدها الصلب سنى الغبار.

وكانت الصين تزداد ثراء وتقدما بثبات ورسوخ ,كما تزداد علاقتها بروسيا حميمية.

لم ترق الهيمنة الأمريكية لبكين وموسكو ,ورفضا شعار المرحلة - الخيار الوحيد - فكل طرف أبى أن يعيش على الهامش أو يكون مجرد صدى صوت لطرف مهيمن ,ورأى أنه يملك من المقدرات الثقافية والحضارية والإقتصادية والعسكرية ما تؤهله أن يكون قطبا يسوق ولا يساق ,فإتخذا الجبهة المناوئة ,وتوافقا على أرضية مشتركة صلبة هدفها التغيير.

وجاءت لحظة التغيير ,دائما هناك لحظة للتغيير لا تستطيع منعها ولو كنت بوسيدون - إله العواصف والزلازل والبحور عند الإغريق - لا تستطيع منع الحياة من الدوران ولو كنت أمريكا القطب الأوحد.

فقد ظلت واشنطون تصارع للبقاء وحيدة على عجلة قيادة العالم حتى خارت قواها , لقد توسعت أكثر مما تحتمل ,فما كان صعودها للتفرد الا بداية للتدهور.

فما نجحت فيه الولايات المتحدة فى العراق فشلت في تحقيقه فى سوريا وأوكرانيا ومن قبلهما جورجيا .لتمثل تلك البلاد مسرحا تنعكس عليه متغيرات النظام الدولى ,بعودة قوية لروسيا كقوة عظمى مناوئة ومحطمة للهيمنة الأمريكية.

فى حين أصرت واشنطون على عنادها الأعمى وغير العاقل ,تملكتها حالة من الإنكار رفضا مريضا للتغيرات من حولها ,وكأنها ملكت ناصية الشباب فلن تأتيها الشيخوخة من بين يديها ,حتى إذا أخذت واشنطون زخرفها وازينت ,وظنت أنها قادرة على الجميع ,أطبقت عليها التطورات أتتها من حيث لم تحتسب فأصبحت عجوزا متصابية ,تبالغ فى وضع المساحيق لإخفاء تجاعيد وجهها بينما لا ترى الشيب المشتعل فى رأسها.

وها قد وصلنا للمحطة الأخيرة ,الحرب الأوكرانية المسرح الدولى الأكثر سخونة الذى يعكس ويجسد كل تلك التطورات.

فها هى أمريكا القوة الجبارة تقف عاجزة عن تحقيق انتصار ونجدة طفلها المدلل زلينسكى ,ها هى تفشل فى إعاقة اجراءات رأتها روسيا ضرورية لحماية أمنها القومى ,ها هى تلك الدولة التى تعانى من نقص فى مخزون أسلحتها

وتجبن عن مواجهة روسيا ,وتلتقط العدسات العالمية رئيسها الكهل وقدماه تتعثر المرة تلو المرة وتمتد يداه لمصافحة الهواء ,بينما فرغ للتو من تهديداته الجوفاء.

كم يعكس هذا الشيخ الهرم حال بلاده.

وكم تشبه الولايات المتحدة اليوم بريطانيا بالأمس ,فظلت تقاتل من أجل الحفاظ على مكانتها ومنع تغيير الزمن حتى قتلها الزمن.

وكم تكون أوكرانيا المرآة الصادقة التى نرى فيها الواقع الدولى.

مرآة من حيث التنسيق الروسى الصينى ,ومن حيث قوة الموقف الروسى ,ومن حيث حالة الشيخوخة التى أصابت الولايات المتحدة.

على الجبهة الأخرى هناك مجموعة بريكس وشنغاهاى الصاعدة ,التنامى المضطرد للعلاقات الحميمية بين موسكو وبكين ,مجلس الأمن المنقسم لخندقين شرقي وغربي.

ومن جديد يعود النظام الدولى إلى الحرب الباردة بتفاصيل مختلفة ,من جديد يعود العالم إلى كتلتين متحاربتين شرقية وغربية ,ومن جديد تقع الدول الطواقة للسلام والاستقرار فى مغبة الصراع الدولى.

وبعد أن استعرضنا تطورات الواقع الدولى منذ الحرب العالمية الأولى حتى وصلنا للحظة الزمنية التى نعيشها الآن,

جاء وقت التأمل والتدارس وعمل الاسقاطات المعاصرة.

أولا ,جوهر الصراع الذى نعيشه الآن هو ذاته جوهر الصراع بين ألمانيا وفرنسا ,فهناك أطراف

- الصين وروسيا - تعتبر النظام الدولى غير عادل وتسعى لتغييره وتدفع بعالم متعدد الأقطاب ,من أجل أن يكون أكثر توافقية مع مصالحها ,وترفض البقاء على الهامش

- وتبحث لنفسها عن مكان تحت الشمس -

مقابل طرف - الولايات المتحدة - يرفض أية محاولات لتغيير هذا الواقع ويريد أن يجلس وحده على عجلة قيادة العالم ,ويعتبر محاولات الآخر لتغيير القواعد تمردا غير مقبول.

ثانيا ,نعيش لحظة تاريخية مشابهة لتلك السائدة قبل الحرب العالمية الأولى ,حيث كان الصراع الألمانى الفرنسى يقود التحالفات الدولية ,الآن اختلفت الأطراف ولكن العالم لازال يعيش حرب التحالفات ,فالصراع بين بكين وموسكو ضد واشنطون يقود حركة التفاعلات والتحالفات الدولية.

أوكوس الغربى المعادى لبكين ,مقابل بريكس وشنغاهاى الشرقيين المعاديين لواشنطون ,ويرتبط كل طرف بمجموعة من الأصدقاء لا يستهان بهم.

ثالثا ,الولايات المتحدة صديق خائن ,وحليف غير جدير بالثقة ,فكما فعلت مع حلفائها بالأمس حينما تركتهم يقاتلون وحدهم بينما إنكبت هى على تشغيل مصانعها ,تنكب واشنطون الآن على سحب الأموال الساخنة من العالم من خلال زيادة أسعار الفائدة فى البنك الفيدرالى الأمريكى.

كما تصدر من القوانين ما يعزز تجارتها على حساب الأوروبيين وهو قانون خفض التضخم ,علاوة على صفقة الغواصات الأسترالية التى استحوزت عليها مضيعة على فرنسا المليارات ,فى موقف وقفت له فرنسا مذهولة مما اسمته " طعنة فى الظهر "

أما ما مثل الخيانة الكبيرة ,هو ضلوع واشنطون فى تفجيرات خطوط نورد ستريم ,وأكثر من ذلك بينما كانت واشنطون تستميت لفرض العقوبات على روسيا ومنع صادراتها من الطاقة الرخيصة إلى أوروبا ,كانت تصدر هى بدورها الغاز لهم بأسعار وصفها حلفاؤها الأوروبيون بالخيالية.

المضحك أن واشنطون استثنت بعض الشركات الروسية من العقوبات التى ترتبط بها بمصالح إقتصادية.

أفلس العقل الأمريكى فلم يعد يرى إلا تدمير الآخرين وسيلة لبقائه منفردا.

وقد تمترس كل فى موقعه ,لا منطقة وسطى ,والمباراة صفرية ,إما الشرق وإما الغرب.

وهناك حيث الدول التى تقاتل من أجل أحلام شعبها ,تمشى طريقا وعرا من أجل الوصول إلى السلام ,تتعثر قدماها بين أنقاض الماضى الكئيب ,ويحرق عينيها لهيب الغد العصيب.

أنى لها النجاة وقد أفاض عليها الحاضر بتلك الشدائد وضن الأفق بفرج قريب.

وها هى أحلام الاستقرار تلملم أشلاءها وتغادر, بينما الحرب العالمية الثالثة تطل بوجهها السافر ,فبالأمس كانت بولندة وغدا ستكون تايوان ,كل الطرقات ملأى بأعاصيرالغضب تتوهج فى آخرها رصاصة سراييفو يستعد ليطلقها شيطان.

مواقيت الصلاة

الجمعة 04:10 صـ
3 ربيع آخر 1447 هـ26 سبتمبر 2025 م
مصر
الفجر 04:19
الشروق 05:45
الظهر 11:46
العصر 15:12
المغرب 17:47
العشاء 19:05

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,494 شراء 2,505
عيار 22 بيع 2,286 شراء 2,296
عيار 21 بيع 2,182 شراء 2,192
عيار 18 بيع 1,870 شراء 1,879
الاونصة بيع 77,555 شراء 77,910
الجنيه الذهب بيع 17,456 شراء 17,536
الكيلو بيع 2,493,714 شراء 2,505,143
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى