إلى عرفات.. بقلم د/ محمد بغدادي


إلى عرفات
بقلم د/ محمد بغدادي
يتجه حجاج بيت الله الحرام لأداء الركن الأساسي للحج وهو الوقوف بعرفه في محاولة مستميته للتذلل لخالقهم للتحلل من الذنوب التي ألمت بهم خلال سنوات عجاف طاحنة مليئة بالسلبيات والموبقات والسيئات حتى أغلقت القلوب وملئها الظلام القاتل حتى بعدت عن ذكر الله وسنة النبي المعظم.
عرفات ما هو إلا بحر عظيم يغسل المذنبون ذنوبهم الضعيفة منها والقوية الصغيرة منها والكبيرة البسيطة منها والمتراكمة منذ الولادة وحتى وقوفهم في عرفات الله في حشد بشري لم يحدث إلا كل عام في سعودية الحج.
عرفات ما هو إلا جبل يقترب من السماء لعلها تكون ساعة رضاء من الله ليغفر ويسامح ويعفو ويصفح ويصلح الأحوال للأفضل ويرزق ويسعد وينظر للعباد نظرة حب وعطف ليستريحوا من مهازل الدنيا وطمعها وسفهائها وانعدام الرحمة بها وقلة الرضاء بها فالدنيا تثبت كل لحظة لكل منا أنها لا تساوي جناح بعوضة كما تحدث بها الملك جل جلاله.
عرفات هو ثورة عبادية فعالة مجزية في التحرر من أغلال العالم من قيود جهل عقولنا من براثن الماديات لنصل ونرتقي لمراتب الأولياء والصديقين والشهداء. نحن نحتاج لألف يوم كيوم عرفه حتى نطهر أنفسنا وأرواحنا لنظل ندعو وندعو من طلوع الفجر وحتى غياب الشمس حتى نتسابق مع الزمان للتزود من الحسنات واستبعاد السيئات لسبب بسيط هو أن الكون كله من مشرقه لمغربه يسبح الله ولكننا لا نفقه تسبيحه.
عرفات هو الدعاء والتضرع والتذلل والتزلزل والتأمل ليس باللسان وإنما بالقلوب التي في الصدور لاستكشاف عالم الروحانيات وهو العالم الملائكي الذي تركناه بالكلية واخترنا عالم الماديات بأشكاله وحروفه وابعته حتى صرنا إلى ما صرنا إليه.
فالندعو وندعو وندعو حتى تستيقظ القلوب والعقول لتقترب من خالقها وتتعلق به في محاولة لضرب العالم المادي في عقر داره لنجعل عرفات هو تعريف حقيقي للانسان وللحجيج في ثوبهم الأبيض الذي يخلو من الخديعة والحقد والحسد والكراهية والبغضاء ليعلو الصوت بالدعاء المميز لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك.